اخبار منوعة

اخبار الارض المحتلة

اخبار وطنية

سياستنا والسير بعكازين

بقلم: محمد حسنة الطالب.محمد حسنة الطالب
  في ال 10 ماي 1973 بدأ مشوار التحرير وفرض الوجود ، وسارت سياستنا بثبات تتوكأ على عكاز واحد هو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، وقطعت شوطا كبيرا بالنظر الى واقع الحال آنذاك ، حيث الجهل والأمية ، وصور التخلف وحالات الشتات ، وضعف الوعي وانعدام الإمكانيات . وبالرغم من صعوبة الظرف إلا أن شرعية الدرب وأهميته ، أنست في كل ما تخلله من مآسي ، ومن حواجز وعقبات تم تذليلها والتغلب عليها بطول النفس ، وشحذ العزائم والإصرار على الوصول الى الهدف المنشود .
    في 12 من أكتوبر 1975 تقوى ذلك العكاز وزادت صلابته ، واستقام على العهد والوفاء لنهج الشهداء حتى غرز أثره بقوة الإيمان وسلامة العقيدة في كل شبر من أرض الآباء والأجداد ، واستطاع أن يمحو وطأة الدخلاء شيئا فشيئا ، الى أن تعززت سياستنا الرائدة بعكاز ثان ، هو الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ، الحلم والتصور الذي أبعد كل الشبهات عن مسار الكينونة والوجود المتميز ، وكان ذلك في ال 27 من فبراير 1976 ، أين حدث ذلك التناغم والتوازي المشهود ، الذي تقدمت به سياستنا العتيدة وقضيتنا العادلة أشواطا كبيرة ، قلصت من المسافة الفاصلة عن الاستقلال وتحقيق العودة الميمونة الى الوطن المفدى .
     بهذا الأسلوب تكون سياستنا قد حققت ، إنجازات عظيمة لم يسبق لها في التاريخ مثيل ، كونها سابقة على مستوى حركات التحرير ، خاصة وأن ذلك العناق المشهود بين الحركة والدولة ، كان على أرض المنفى ، حيث عملت سياستنا الحكيمة على السير بهذين العكازين معا ، وجنبا الى جنب في تطور ملحوظ يهدف الى استكمال التحرير ، والتأسيس للبنات البناء الموعود ، على أسس متينة قوامها الحرية والديمقراطية ، والعدل والمساواة ، وإحقاق الحق بقوة القانون ومثالية الدستور .
     في هذا الإتجاه وقبل توقيف إطلاق النار ، ظلت سياستنا سائرة بعزيمة لا تلين ، وثبات لا يتزحزح ترتكز على هذين العكازين القويين ، الذين أخفيا بعضا من عيوبها التي كان سببها قلة الخبرة ، وصعوبة التجربة ، والتعامل مع عدو هو داهية في سياسة المناورة والخداع ، بالإضافة الى قاعدة غلبت عليها البداوة ولم تعرف بعد الكثير عن قيمة وأهمية الوجود على شاكلة  الدولة ،  بالرغم من انعدام القبلية وإنتهاء صلاحيتها البالية والمتجاوزة في تلك الحقبة الذهبية  .
    إن سياسة كهذه لا يمكن وصفها بأي حال من الأحوال بالعمياء ، ولا العرجاء ، كونها سارت وفق رؤية ثاقبة الى الأفاق المطلوبة ، وتمكنت من إيصالنا في زمن قياسي الى الحذو قرب المبتغى ، بالرغم من كيد الأعداء ومناوراتهم التي ما برحتنا في لحظة من لحظات هذا الصراع المرير ، وبات نجم هذه السياسة الرزينة  ساطعا ينير الدرب الشريف الى أن توج ببصيص من الأمل والانفراج المؤقت ، أدى فيما بعد الى مرحلة من اللاحرب واللاسلم ، غيرت الواقع تدريجيا نحو معطيات جديدة على الساحة ، غاب فيها دوي المدافع ، وشل فيها عكاز التحرير ، وأنتشر فيها الفساد وتآكل عكاز البناء ، في الوقت الذي تم فيه التركيز على نضالات جماهيرنا الصامدة في المدن المحتلة و في جنوب المغرب ، وكان أن أربكت انتفاضتهم العارمة في 2005 حسابات العدو ، وأفشلت مخططاته ورهاناته على النيل من صمود الصحراويين أينما كانوا ، ومحاولة تنويمهم ، أو استدراجهم بالإغراءات نحو ما يعتبرونه بمثابة المقصلة التي تفصل الرأس عن باقي الحسد .
    اليوم وفي خضم هذا الزخم المتأجج في الجهة الأخرى من جدار الذل والعار ، وفي ظل ما تشهده الجبهة والدولة في اللجوء ، فإن ما يخشاه كل الصحراويين الغيورين ، هو أن تتعب هذه السياسة العظيمة ، أو يصيبها الوهن والدوار ، أو تلازم الفراش ورؤيتها مشوشة الى المستقبل ، أو أن تصبح في كل تحركاتها تكبو وتهذي بما لا صلة له بالواقع ، وهنا بالذات يحق للصحراويين أن يخشوا على مصيرهم ، خاصة إذا ما حل بهذه السياسة العجز التام في مرحلة ما ، والعماء في أخرى ، ورمت بالعكازين الذهبيين جانبا دون إدراك لقيمتهما التي لا تقدر بثمن ، والإكتفاء بتحسسهما فقط دون السير بهما الى الأمام ، والخشية كل الخشية أن تفضل بدلهما في آخر أيامها كرسيا متحركا ، يضمن لمن يرعونها ويديرون شؤنها الجلوس المريح ، والتحرك في مساحة ضيقة ، لا علاقة لها بالشعب ومبتغاه في التحرر والبناء .
    نتمنى جميعا ـ وليت المطالب بالتمني ـ أن لا يظل الوضع راكدا دون خبر واعد وصادق ، نأمل أن نراه يحدث تحولا ملحوظا وملموسا على الساحة الوطنية بخصوص الحل ، فإما أن نكون أو لا نكون ولا سمح الله ، وفي انتظار أي من الخيارين يظل ويبيت الصحراويون المخلصين في الشدة والرخاء ، لا يملكون في ظل هذه الحركة المعاقة ، وفي دفء هذه الدولة المهتزة  التي كثرت فجواتها من فرط الفساد ، سوى التوسل الى الله عز وجل ، بأن يقيل عثرتهم ويفرج كربتهم ، وأن يصلح بين قمتهم وقاعدتهم ، وأن يهدي الجميع الى الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم بنعمة الحرية والاستقلال ، كنتيجة حتمية لما قدموه من تضحيات جسام ، ولما تحلوا به من نكران للذات وإخلاص للعهد والهدف .