الدولة الصحراوية المستقلة: هي الحل في المعادلة القائمة
بقلم: الديش محمد الصالح
إن تقرير مصيرالشعوب والديمقراطية وحقوق
الانسان من المبادئ الثابتة التي تجتمع عصبة الامم على حمايتها والدفاع عنها كونها
اساس تطور المجتمعات وضمان استقرارها. ولم تعرف هذه المبادئ تطبيقا حازما في بعض
المواقع نظرا لمصالح جيوسياسية كما هو الشأن بالنسبة لقضية الصحراء الغربية. لكن
مؤخرا بدأت القناعة الدولية تتزايد، وبالخصوص لدى الدول العظمى، بضرورة ايجاد حل
سريع لهذه القضية نظرا للتحديات التي اصبحت تفرض نفسها في السلم والاستقرار والتنمية
الاقتصادية في المنطقة والذي يندرج في اطارها الجهد الكبير الذي يبذله المجتمع
الدولي لإستئصال ظاهرة الارهاب التي تنامت في الساحل الافريقي واصبحت تشكل خطرا
على الامن والاستقرار الدولين. لعل هذا الاهتمام، الذي كان آخره المبادرة
الامريكية بهدف حماية حقوق الانسان في الصحراء الغربية، هو بمثابة مراجعة للسياسات
القديمة في المنطقة والتأكيد على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاعتراف بقوته
التي يتصاعد ضغطها من اجل الحرية
والاستقلال وبالتالي فالدولة الصحراوية المستقلة ستكون هي الحل في المعادلة
القائمة. من جهتها شعوب المغربي العربي وافريقيا عامة تواقة لانهاء هذا الصراع
الذي يؤثر على مسار تنميتها خاصة وان الصحراء الغربية تتوفر على موارد
اقتصادية هامة اضافة الى موقعها الجغرافي مما يؤهلها لان تعود بالكثير من الفائدة
على المنطقة وان تلعب دورا كبيرا في الشراكة العالمية.
قدمت الولايات الامريكية خلال اجتماع مجلس
الامن في شهر ابريل الماضي مبادرة تهدف الى توسيع صلاحيات بعثة الامم المتحدة
لتشمل مراقبة والتقرير عن وضعية حقوق الانسان بعد تسجيل انتهاكات سافرة لها من طرف
الدولة المغربية خاصة بعد قمع عدة مظاهرات سلمية تنادي بتقرير المصير ورحيل الاحتلال.
وجاءت هذه المبادرة بعد اصوات كثيرة من ضمنها الامين العام للامم المتحدة نفسه
ومبعوثه الخاص تطالب بتكاثف جهود المجتمع الدولي لانهاء هذا الصراع الذي طال امده
والذي يزيد من معاناه شعب الاقليم، محذرة بما قد تؤول اليه الاوضاع في حالة عدم
ايجاد حل سريع. تعتبر المبادرة الامريكية في حد ذاتها تحذيرا للمملكة المغربية
للكف عن ممراساتها القمعية لمواطنين يعتبرون تحت المظلة القانونية الدولية من جهة،
ومن جهة اخرى اشارة الى وجود حراك شعبي قوي الارادة لابد من احترامه، وبالتالي
فانها تغيير في السياسة التي كانت منتهجة في المنطقة.
حان الوقت لان يدرك الساسة المغاربة
وحلفائهم انهم يسيرون في الاتجاه الخطأ، فالشعب الصحراوي خلقه الله حرا كما خلق
شعوبهم وجدير بان يعترف بوجوده كما كان الشأن لشعوبهم وله الحق في ان تحترم ارادته
وتحمى حقوقه كشعوبهم، وعانى الاستعمار والقهر كما عانت شعوبهم. عليهم ان يستدركوا
ما فاتهم ويفتحون صفحة جديدة، فالمصلحة ليست بمحاولات اجهاض حق هذا الشعب وحقيقته
التي لايمكن طمسها ولايمكن صدها، بل المصلحة في العودة الى الحل المشرف وهو تنظيم
استفتاء ديمقراطي لتقرير المصير يلتزم الجميع بنتائجه.
كل هذا التماطل انما مضيعة لوقت ثمين يمكن
استثماره لفائدة الشعبين الشقيقين ولصالح شعوب المنطقة، فقيام الدولة الصحراوية
لايمثل تهديدا للمغرب ولا لمصالح احد، بل سيعزز امن واستقرار المنطقة عامة وسيفتح
آفاقا واسعة للتنمية. لقد عملت الثورة الصحراوية، بقيادة جبهة البوليساريو، منذ
الوهلة الاولى على ذلك، فاثبتت انها مسالمة، تنبذ الظلم وتحترم مبدء التعايش
والجوار. ورغم صعوبة الظروف والحرب
ومعاناة اللجوء وسياسات القمع والترهيب الا انها ظلت حريصة على ان تؤمن
حدودها مع الجيران ولم تنقل حربها يوما خارج نطاقها. كما عملت هذه الثورة على بناء
اسس مجتمع عصري ونظام سياسي يحقق العدل والمساواة . فدستور الجمهورية العربية
الصحراوية الديمقراطية ينص على التمسك بمبادئ العدل والديمقراطية الواردة في
الاعلان العالمي والميثاق الافريقي لحقوق
الانسان ويكرس سيادة القانون وبناء
المؤسسات الديمقراطية الكفيلة بضمان ذلك . فنظام الحكم شبه رئاسي مع الفصل في السلطات (تنفيذية، تشريعية،
قضائية). وينص الدستور كذلك على ان السيادة للشعب وهو مصدر كل سلطة كما يضمن
كل الحقوق والحريات السياسية والاجتماعية لجميع المواطنين بما في ذلك
المقيمين بالوطن وانتهاج سياسة الانفتاح الاقتصادي والسوق الحرة واقامة علاقات على
اساس التعاون والوئام والاحترام المتبادل وتحقيق السلم في العالم. وفي ظل الثورة،
وبفضل الاسلوب الديمقراطي المنتهج، فتح المجال كبيرا لمشاركة المرأة في جميع
مستويات السلطة بالخصوص على المستوى المحلي التي تعتبر نسبتها عالية جدا.
لابد من تجاوز العقدة الذاتية لدى النظام
المغربي، فزمن الهيمنة والتوسع قد ولى والحرب الباردة انتهت، وهذا زمن آخر تسود
فيه ارادة الشعوب وتحترم فيه حرياتها وطموحاتها ولهذا فالرجوع الى اصل الامور
لامفر منه والذي فيه مصلحة الجميع. إن
الاستشارة الشعبية هي الوحيدة التي اتفق عليها الطرفان وشكلت قاعدة لخطة التسوية
سنة 1990 التي تم بموجبها توقيف اطلاق النار وتواجد بعثة الامم المتحد، ولم يكن
بالطبع هذا من قبيل الصدفة ولكن انطلاقا من قناعة انها السبيل الوحيد لانهاء هذا
الصراع رغم ان النتيجة معروفة مسبقا وهي ان الشعب الصحراوي سيختار الاستقلال.