اخبار منوعة

اخبار الارض المحتلة

اخبار وطنية

رمضان آخر تحت الإحتلال





بقلم: مصطفى عبد الدائم
رمضان كريم .. ليته آخر الأهلة يفيض نوره في سماء غير هاته التي تفيض منها الشمس الحارقة تحمل روائح الفواجع .. ليته يهل بغير هذه الصور التي تقمع أبصارنا ، وترخي على الوجوه أستار حزن وألم .. ليت رمضان غير هذا الذي لاحت تباشيره منذرة بالمزيد من الحرائق تأكل حقول أمانينا .. ليتنا نستقبل رمضان وليس في اليد قيد ، وليس في القلب غصة ، وليس في العين دمعة ..ليتنا نستقبله كباقي شعوب العالم أحرارا مستقلين نفعل بمستقبلنا ما نريد وكيفما نشاء .

ليت هذا الرمضان آخر الأخبار على صفحات الجرائد المثخنة بالجراح والنواح والآلام .. ليته النهاية لخراب حل منذ عقود يطحن صبرنا ويمحو نضارتنا ويزرع بيننا عقيدة التشابه ، ونحن لا شبيه لنا في الآلام .. ولا شبيه لنا في الأحزان .. كما أنه لا شبيه لنا في العزائم ، فنحن من أعتق الموت من براثين الخطأ ، وأعلنا أنها حرة في اعتناق من تشاء على محراب الصواب ..نحن من أعطينا الموت معنى …

ذكريات مريرة …

رمضان كريم .. بين أضلع مدينة ممزقة كأنها دهاليز أحزان وآلام كنت أمضي أقلب أيامها التي عشناها كالاحتضار .. تذكرت كم شهيدا دشن قصائد الحب ، وشيد بدمائه أمجاد وطني .. تذكرت كم عذراء من وطني سكنت صدفة قاسية بكماء ، وقضت متشبثة بمرافئ عتيقة على شطآن حارة ، وكانت تنتظر إطلالة وجه كالعاصفة يقتلع عند هبوبه كل ذرة فيها من تعقل .. تذكرت كم أما امتنعت عن بكاء أو رثاء غائب قيل ابتلعته غياهب الموت .. وقيل احتملته التراب .. وقيل وقيل ، ولكنها آمنت أنه يستحيل أن يرحل عنها دون وداع .. تذكرت والذكريات حبل مشنقة يلتف حولي .. يخنقني وبالكاد أستطيع وسط الزحام أن أصرخ أين كل الذين رحلوا ؟ أين كل الذين اعتقلوا ؟ أين كل الذين أقعدتهم النوائب ؟ الله أكبر .. الله أكبر .. يختلط في ذهني النداء بسؤال لم قتل رجال ونساء وأطفال بيد مسلمة ؟ لماذا يحرم وفي رمضان المسلم أخاه المسلم من صوم بين أهله وذويه ؟ آه ما أقسى السجن ؟ وما أقسى السجان ؟ بل ما أقسى الإحتلال وخصوصا عندما يكون المحتل مسلما عربيا ، وبدل أن يدعوك لمائدة إفطاره ، يدعوك الى مقابره وزنازنه .. يحتفي بك صائما بهراواته ومخافره .. يدوسك بجزمته وسياراته .. عن أي رمضان نتحدث ؟؟؟

الله أكبر .. الله أكبر …

أستغفرك ربي ولكن الإحتلال جعل حتى نداءك : هذا الله أكبر .. الله اكبر ممزقا تمزقنا على ضفتي جدار الذل والعار والهوان .. أي رمضان هذا الذي يجبرنا على احتساء دموع الشوق للغائب أبا وأخا وأما وأختا وإبنا وصاحبا وخليلا .. أي رمضان هذا الذي تظللنا فيه محطات قتل واغتصاب ونهب وظلم وقمع ودمع وألم ظ أي رمضان هذا الذي نحرم فيه إلى التطلع للنجوم في الليالي الصحراويات الصافيات ؟ ما أنت أيها الرمضان وهذا المحتل يحرمني العبادة فيك دون أن تلهب جلدي السياط ؟ ما أنت أيها الرمضان وهل تجوز الصلاة خلف المحتل ؟ وهل تجوز الصلاة تحت الحصار ، ومن أمامك وخلف وعلى يمينك ويسارك ترابط الدبابات والعساكر ؟ هل تسمعني يا ألله وأنا أدعوك لتنصرني على عدوي ؟ هل تسمع أنيني وبكائي وحزني ؟ لا شك أنك السميع العليم ، ولا شك أنك لا تقبل صلاة محتل معتد غاشم .

مائدة إفطار الصحراوي …

في الشارع يأخذني عبق رحلة مستمرة نحو امتلاك الأمل ، عبر الأزقة والأحياء أنتشي بهبوب هذا النسيم العذب من الأنفة والكبرياء الطاغي على الجميع رجالا ونساء وشيبا وشبابا وصبايا وأطفال ..أعتز بهذا النقاء الصحراوي الذي طهرته الشمس الحارقة عبر عصور طويلة وعميقة من اللهب والصهد …

صحيح أنني أستطيع قراءة سورة الحزن المتقد في الوجوه ، واستطيع سماع صراخ الألم خلف الأضلع ن ولكني أيضا اعترف أن الوجوه كانت تشي بولادة جديدة كل يوم لمعاني أعمق للصبر والجلد والقدرة الخارقة على التحمل . في الشارع يتعاظم الفعل الإنساني في مواجهة الحر القاسي واحتمال العطش الذي يكاد يكون قاتلا ، وفي احتمال ضيق ذات اليد وقلة الحيلة .. فالمحتل لا يعترف برمضان لمحتليه .. لا يعترف باحتياجاتهم .. يستمر في سرقة ونهب خيراتهم .. فلا حق لهم في خيرات وطنهم .. مائدة إفطار الصحراويين تكاد تخلو من الأسماك التي تذهب عائداتها الضخمة إلى جيوب الجنرالات المغاربة وللهولدينغ الملكي .. مائدة الصحراويين تكاد تخلو من الخضار والفواكه لارتفاع أثمنتها .. مائدة الصحراويين تخلو من الأكلات الدسمة .. تخلو من المعجنات والمسكرات .. تخلو مما لذ وطاب .. مائدة إفطار الصحراويين فقيرة فقر أصحابها ، كيف لاوأغلب الصحراويين بدون عائدات قارة لذلك فمائدة إفطار الصحراويين تقتصر على بعض حبات من التمر وازريق ( مزيج الماء ودقيق الشعير ) والبلغمان الشهير …

الشارع الصحراوي …

عبر الشارع الصحراوي بمسمياته الدالة على شموخ من فجروا سكونه ، أو لونوا صمته تمضي الأيام مظلمة في كل زاوية منه تسكن آليات عسكرية متحفزة لاختطاف كل مظاهر الفرح الصحراوي ، وفي كل ملتقى طرق تتوزع كائنات بشرية متعطشة للدماء ،وتحت كل الشرفات تتلصص الأعين تحصي كل حركة أو نفس …

رمضان تحت الاحتلال يفقد أي طابع للتسامح أو الرحمة .. فالمحتل بطبعه لا يعرف الرحمة ، ولا يمكن أن يبيع في رمضان سلعة لا يمتلكها .. في رمضان على العكس يضاعف من إجراءات التضييق على مستعمريه ، فيضاعف أشكال حصاره للمنازل ولا يسلم من ذلك حتى بيوت الله ..يدقق في الهويات ويفتش بشكل استفزازي ويراقب بشكل لصيق .. ومع اشتداد الحرارة وأمام النقص المهول في الماء الصالح للشرب وعلى اعتبار أن أغلب الصحراويين معدومي الدخل وفي مواجهة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وتفشي العطالة يلجأ الصحراويون وخصوصا حملة الشواهد للاحتجاج السلمي ما يجدها المحتل ذريعة لإنزال مزيد من العقاب الجسدي والنفسي على الصحراويين خصوصا في هذا الشهر الفضيل . لذلك فالشارع الصحراوي يخلو من مظاهر وتجليات رمضان في بعدها الإنساني فباستثناء حرص الصحراويين خلال هذا الشهر على أداء فرائضهم الدينية رغم عنصر الإرغام الذين يعيشونه داخل المساجد ( الدعاء للسلطان .. تبرير الاحتلال …) و على الرغم من مظاهر العسكرة والانتشار الكبير للشرطة والدرك في كل الشوارع والأحياء يصر الصحراويون على زيارة الأقارب وعائلات المعتقلين السياسيين الصحراويين ، في ترسيخ قوي لصلة الرحم ونوع من تجديد العهد على مواصلة النضال حتى تحقيق النصر والاستقلال . كما يواصلون بعناد كبير تحمل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في مواجهة متطلبات الحياة اليومية. وأما ثقافيا فيستغل المحتل هذا الشهر الفضيل في محاولته اليائسة إفراغ مفهوم النضال من محتواه والتركيز على كل أنماط وأشكال وطرق المغربة السريعة سواء عبر وسائل الإعلام أو عبر الإعلانات والصور حيث رغم الطابع الديني لشهر رمضان فان الاحتلال يغرق الشوارع بالإعلام المغربية وصور الملك .

مناجاة على ضفاف نهر العطش …

أيها الرمضان إن كنت عربيا اترك لي اسما أنفي به أني من أسماء الذين خلدوك على جسدي جراحا غائرة وكانوا ينادون بعضهم البعض محمدا و ومصطفى، أو حدد لي موعدا للقياك في زمن عربي لعلي أتعرف على ساعاته التي قضيتها تحت سياط جلاد كان يتكلم عربية القران ، أو مدني بصورة يظهر فيها قاتلي على غير صفات البشر وليس على جبينه علامة السجود ولم يحج ولم يعتمر ،لأن كل من اغتصبوني كانوا ينادون بعضهم البعض ياحاج ..ياحاج .. أيها الرمضان إن كانوا عربا موحدين فاسألهم ماذا يريدون ؟ أليس في الدين الإسلامي ما يمنعهم عن قتل المسلم ، واغتصاب المسلم ، وتعذيب المسلم ، وسرقة المسلم ..أليس دم المسلم حرام على المسلم ؟ أليس مال المسلم حرام على المسلم ؟ أليس عرض المسلم حرام على المسلم ؟ فأي مسلم يصوم رمضان الكريم وهو يقمع مسلما ويعتدي على مسلم وينهب خيرات مسلم ويعتقل ظلما وعدوانا مسلما ؟

أيها الرمضان الكريم كيف لي ألا أصومك إيمانا واحتسابا وأنا منذ شهقة الروح الأولى ولدت عربيا مسلما ، ومازلت حتى هذه اللحظة التي بلغ فيها الاختناق حلقي وخانتني ركبتاي وأضحت الصور من حولي باهتة والأشياء على غير أحجامها الطبيعية ..وأنا أرقب غروب الشمس لأبل ريقي وأستعيد أنفاسي ..أقول مازلت في هذه اللحظة أطمع في جلاء الاحتلال عن وطني بروح من الإخاء والتسامح وفسح المجال لأزمنة من التعاون والتضامن جارين كريمين .

لمن أبث النجوى ؟ أ لمواكب القتلى وهذي أنات الثكالى ونحيب الأرامل ترتع في مهجتي ؟

من يروي عطشي والشمس في بلادي مشنقتي وعين الماء من دمع ودماء ؟

كل هذا الكون من حولي نعش ، وكل السماء نجمة سوداء ، وأنا كما أنت أنخاب في زمن التردي العربي ، وسقوط السماء مخمورة ترقص على ألحان جلاد يسبح بيمناه ويذبح بيسراه .

رباه لماذا أغرقوا يومي في بكاء ورثاء ؟ ولماذا علي أن أستمر في تحطيم مراسيم العزاء ؟

هامش أخير …

هل الجسد الساكن الدرب سوى الحزن الساكن القلب ؟ ابحث عني ، أسقط مني قطرة من دم أخرى وأخرى وأخرى …مصطحبا هذا الألم أرتدي الليل، وأحتمي من الشمس بالشمس ، وأرتق جراحي كيفما اتفق، وأستبيح زرقة السماء أرسم على لوحتها نجوما وجمرات .

وجهي شرقي القسمات ، ولساني عربي ، وعلى جبيني علامة سوداء من أثر السجود .. ولكني مضرج بألم قديم ، وفي قلبي يغوص خنجر يصرخ خمس مرات في اليوم الله أكبر الله أكبر قبل أن يمارس في كل أنواع كفره في قبو المسجد.